مجلة فرنسية: خطر السيول يتربّص بصنعاء
الخميس 07 أكتوبر-تشرين الأول 2021 الساعة 06 مساءً / المركز اليمني للإعلام - متابعات
عدد القراءات (1059)
 

قالت مجلة أوريون 21 ‏الفرنسية، اليوم الخميس، إن خطر السيول يتربص بمدينة صنعاء اليمنية في ظل البناء المرتجل الذي يسبق المخطط الحضري بخطوات، خاصة مع ارتباطه بحجم نفوذ مالكي الأراضي والمستثمرين في العقارات.

وأفادت في تقرير لها: شكّلت الهجرات الداخلية إلى العاصمة طيلة ثلاثة عقود، إضافة لموجات النزوح مؤخراً، ضغطاً هائلاً على المخطط غير المدروس جيداً من قبل الحكومات المتعاقبة منذ العام 1962. ويربط بين أسباب المشكلة جميعاً تجزئة الحلول الخاصة بحماية العاصمة من كوارث السيول.

ويرى التقرير: من أبريل/نيسان إلى أغسطس/آب 2020، تدفقت سيول جارفة بصورة كارثية على الأراضي الزراعية والمساكن في اليمن. كانت صنعاء العاصمة ضمن المناطق التي طالتها أضرار تلك السيول، خاصة في الأحياء الجنوبية وامتداديها الشرقي والغربي. امتدت الأضرار إلى جميع الأحياء الطرَفية للعاصمة، وتلك الواقعة على جانبي القناة الرئيسية لتصريف السيول وسط المدينة، ومنها أحياء ضمن مدينة صنعاء التاريخية. ونظراً لاتساع مساحة الأحياء المتضررة، ستركز هذه الدراسة على الأحياء الجنوبية ومحيطها الشرقي والغربي، وهي الأحياء التي تتهددها السيول الجارفة بصورة مباشرة.

تتدفق السيول على “أمانة العاصمة”1 من صفّين من الجبال أحدهما خلف الآخر، ناهيك عن التلال الصغيرة وسط المدينة: الصف الأول مكون من ثلاثة جبال تحيط بالمدينة مباشرة، وخلفها، يوجد ما لا يقل عن تسعة جبال كبيرة، أخيرها تصب سيوله في سد “شاحِك” (25 كم شرق العاصمة). من هنا تبدأ طريق السيل المرعب مع روافده من الجبال الأخرى، حيث يقع جبل اللوز.

لا توجد بنية تحتية لتصريف السيول في الأحياء الطرفية لـ“أمانة العاصمة”، كما لا توجد أحواض تجميعية لمياه السيل خارج نطاق المدينة. أما قنوات التصريف الحضرية فتبدأ من شارع خولان الممتد جنوباً، حيث توجد قناة مكشوفة ومليئة بالنفايات الصلبة تتوسط الشارع، ويتقلص عرضها من 4 إلى مترين كلما اتجه الشارع شمالاً. ومن حيّ “دار الحِيد”، توجد عشر بوابات بحجم النوافذ الصغيرة، يعوّل عليها أن تذهب بالسيل باتجاه شارع تعز الموازي لشارع خولان، وتساعدها في ذلك فتحات بأغطية حديدية مخرّقة تتوسط الشوارع الفرعية الرابطة بين الشارعين الرئيسيين. تذهب المياه عبر هذه القنوات الضيقة إلى قناة تصريف متوسطة الحجم.

شقّ سيل العام 2020 طريقه داخل القنوات المصممة لتصريف مياه الأمطار المعتادة بين شارعي خولان وتعز، جارفاً آلاف الأطنان من المخلفات الصلبة، واخترق قنوات الصرف الصحي وفاض إلى الشوارع بارتفاع تجاوز المتر. تعرّض سوق “شُمَيلة” والأحياء الموازية له من جميع الجهات لأضرار فادحة، تمثلت بغرق الطوابق الأرضية من المباني السكنية والتجارية وتصدُّع بعضها، وانجراف السيارات ومفارش الباعة المتجولين وباعة الأرصفة. جرف السيل كل شيء أمامه.

بنايات مخالفة

هناك عدة أسباب متداخلة فيما بينها لكون الجزء الجنوبي من العاصمة عرضة لخطر السيول أكثر من غيره. فهو قبل كل شيء يقع في بداية الطريق الطبيعي لتدفق السيول تاريخياً. كما أن البناء المخالف للمخطط الحضري فيه، يرتبط بقلة كفاءة المخطط نفسه، وبتحديثه المستمر بنسخ تناقض سابقاتها في بعض الأحيان، أو بإجراء تعديلات عليه كانت تصل إلى حذف شوارع وتعديل اتجاهاتها واستحداث أخرى. أما إقدام السكان على مخالفة المخطط الرسمي في البناء، فيرتبط بقلة وعي ملحوظة بأهمية التخطيط الحضري من ناحية، ومن ناحية أخرى، بتقصير المؤسسات الحكومية المعنية في حماية مساحة المخطط الحضري والأراضي المملوكة للدولة. وعلى الدوام، ظل البناء المرتجل يسبق المخطط الحضري بخطوات، خاصة مع ارتباطه بحجم نفوذ مالكي الأراضي والمستثمرين في العقارات.

وإلى ذلك، شكّلت الهجرات الداخلية إلى العاصمة طيلة ثلاثة عقود، إضافة لموجات النزوح مؤخراً، ضغطاً هائلاً على المخطط غير المدروس جيداً من قبل الحكومات المتعاقبة منذ العام 1962. أما السبب الذي يربط بين أسباب المشكلة جميعاً، فهو تجزئة الحلول الخاصة بحماية العاصمة من كوارث السيول، ناهيك عن ضعف التنسيق فيما بين الجهات الحكومية المعنية بالأمر، واقتصار المعالجات على النطاق الحضري للعاصمة، بالرغم من أن السيول الجارفة تأتي من خارجه.

اعتاد سكان صنعاء منذ القدم ترك مساحة كافية بين السيل وبين بيوتهم، وفيما يشبه الاحترام المتبادل بينهم وبين الطبيعة. واعتاد أيضاً سكان الجبال والوديان المحيطة بالمدينة إنشاء السدود على مساحات واسعة من رؤوس الهضاب وسفوح الجبال، مستخدمين التقنية القديمة التي تسمح بتفريغ فائض الماء تدريجياً على شكل غُدران وجداول وغيول. كانت الغيول تمر جوار المدينة ووسطها، طوال العام. أما الآن، ومنذ ستين سنة مضت على الأقل، تحولت علاقة الإنسان بالأرض، من مصدر مقدّس للزراعة والرعي والغذاء، إلى سلعة متداولة من أجل السكن والاستثمار العقاري والتجاري دون مراعاة لما يترتّب على التوسع العمراني في الأراضي الزراعية ومجاري السيول، لا سيما البناء غير المخطط حضرياً. استمر العمران بالتوسّع في أمانة العاصمة، حتى وصل في العام 2019 إلى تداخل الحدود الإدارية بين العاصمة والمحافظة. وبهذا الصدد، تشير دارسة “التنميط الحضري- صنعاء”، إلى “غياب الرؤية المستقبلية” للمدينة لدى مؤسسات الدولة التي تديرها جماعة أنصار الله (الحوثيين).

طفرة التوسع العمراني

إلى نهاية عقد الستينيات، كانت مدينة صنعاء مكونة من جزئين: المدينة القديمة، وإلى الغرب منها حيّ “بير العَزَب” وحيّ “قاع اليهود”، اللذان تأسسا أثناء فترة الحكم العثماني الأول لليمن (1538-1635). خارج أسوار المدينة توسعت المحلاّت التي كانت تقع غالباً على طرق المسافرين من وإلى مدينة صنعاء. وبعد العام 1970، بدأ التوسع العمراني وفقاً لاحتياج النظام الجمهوري الوليد لبناء عاصمة إدارية بمواصفات حديثة، ووفقاً لتنامي ثقة المهاجرين من الأرياف والمحافظات، بالنظام الوليد. أما الانفجار العمراني-إن جاز الوصف- فقد حدث منذ العام 1990، حيث شهد اليمن في هذا العام حدثين كبيرين ترتّبت عليهما تحولات ديموغرافية كانت صنعاء في طليعة المدن التي تأثرت بها. الحدث الأول هو الوحدة بين اليمن الجنوبي والشمالي، أما الثاني فيتمثل في عودة ما يقارب مليون مغترب يمني في السعودية، على إثر شمولهم بقانون “الكفيل” الذي لم يكن مطبقاً عليهم حتى ذلك الوقت.

تدفق المغتربون العائدون من السعودية على صنعاء، وتجاوروا مع المهاجرين إليها من الأرياف والمدن الأخرى بعد الوحدة، وشكلوا امتداداً للعاصمة على طول شارعي تعز وخولان جنوباً. كلا الشارعان يمتدان من سور المدينة القديمة، الأول من “باب اليمن”، والثاني من “باب سِتْران” أو “باب المستشفى” (لم يعد موجوداً) حسب التسمية العثمانية. وعلى ضفتي الشارعين، توسّع البناء بنمط “التجمعات المركّزة” و“التجمّعات الخطّية”. وفي العام 2008، أحصت وزارة الأشغال العامة، بالتعاون مع السلطة الإدارية لـ“أمانة العاصمة” 35 منطقة بناء عشوائي حول المدينة، 23 منها أنشئت بين العامين 1990 و1995. لم تواكب الحكومة حينها هذا التوسع العمراني بإنشاء قنوات واسعة لتصريف السيول، وقنوات للصرف الصحي الحضري، واعتمد غالبية البُناة على حُفر متفاوتة الحجم للصرف الصحي تسمى محلياً “بَيّارات”. ولأن معظم الراغبين في بناء المساكن كانوا من ذوي الدخول المتوسطة والدنيا، اندفع مالكو الأراضي إلى تلبية الطلب المتزايد على الأراضي رخيصة الثمن، فزحف الاستحداث العمراني على المجاري القديمة للسيول. هكذا تأسست عشرات الأحياء السكنية، والتي لم تكن تعدّ فقط مساكنا، بل بنايات تجارية أيضاً، كالاستثمارات العقارية والفنادق والأسواق المنفردة والمجمّعات (مولات). أنشئت كذلك مبانٍ إدارية وشوارع مسفلتة ومبانٍ خدمية، خاصة في الحارات القريبة من الشارعين. لكن قنوات تصريف السيول لم تولَ العناية الكافية، ناهيك عن تضييق بوابات عبور السيل.

كل ذلك جعل مشكلة سكان هذه الأحياء في الوقت الراهن متجاوزة للانحصار في عواقب البناء العشوائي، وافتقار البناء الحضري للرؤية الاستراتيجية، وقلة مرافق الخدمات العامة، وتفاوت جودة البنية العمرانية تبعاً لتفاوت القدرة المالية للبُناة. مشكلة هذه الأحياء صارت متمثلة في كونها مهددة بالزوال على المدَيَين المتوسط والبعيد، بسبب موقعها في الطريق الطبيعي لأكثر من سيل، أكبرها وأخطرها سيل “جبل اللّوز”.

سيول كارثية في 2020

يتشكل سيل “جبل اللّوز” من فائض سدّ “شاحك” شرقاً ومن المرتفعات الجبلية الأدنى منه، ثم يدخل المدينة متعامداً مع شارع خولان وبعده شارع تعز. شكّل الشارعان بإنشاءاتهما العمرانية المتفاوتة بين “البناء المسلح” و“الشعبي”، ما يشبه السدّ أمام السيل، فتشعّب مجراه في الشوارع والأزقة وقنوات التصريف الصغيرة والمتوسطة. وحوّلت المنشآت السكنية والتجارية مجرى السيل نحو مساحات فارغة أو محجوزة للبناء شرق شارع خولان، وهي مساحات تمتد من الجنوب إلى الشمال ويتخللها ما تبقى من حقول زراعية، وينتشر فيها البناء العشوائي للمساكن ومصانع إنتاج الطوب الخرساني بصورة محبطة. كما تنتشر “مطارح” رمل البناء والحصباء بأكوام كبيرة تشكل بدورها عائقاً أمام السيل فتُحول مساره، أو يجرفها فتزداد كميات الرمل والحصى المتراكمة في قنوات التصريف المخفية تحت الشوارع.

جزء من قناة تصريف السيل وسط شارع خولان.

فيما عدا الجزء الذي يمر بين المدينة القديمة وحيّ “بِير العَزَب”، كانت “السائلة” قديماً محاطة بأراضٍ زراعية تستفيد من مياه سيل “جبل اللوز” وروافده عبر قنوات ترابية متفرعة منها. أما فائض السيل فكان يذهب ليلتقي مع سيول أخرى تغذي سدّ مأرب، وتشكّل نهر “الخارِد” في وادي الجوف، شمال شرق صنعاء. اليوم، صارت المساحات الزراعية المحيطة بالمدينة القديمة معمورة بالمساكن والبنايات الحكومية والتجارية، بينما تحتفظ السدود في محيط “أمانة العاصمة” بمياهها للمزارع القريبة منها فقط. هناك ما لا يقل عن أربعة سدود كبيرة جنوب وشرق “أمانة العاصمة”، يتخوف السكان من أن يؤدي انهيارها في حال ترافق مع أمطار غزيرة، إلى جرف وتصديع آلاف المباني في الثلث الجنوبي من العاصمة عموماً.


تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع المركز اليمني للإعلام نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
مواضيع مرتبطة
إب.. عروسة المرتفعات الغربية
أوروبا واستحقاقات موجة الهجرة الأفغانية الكبرى
سيئون تستقبل العام الهجري الجديد بالأهازيج ومقاطر البخور
أنعشت الحرب تجارة الفخاريات: هل عاد اليمن لبدائيته؟
اللاجئات في اليمن.. البحث عن لقمة عيش في ركام الحرب