حدود المشاركة الباكستانية في عملية "عاصفة الحزم"
الإثنين 30 مارس - آذار 2015 الساعة 09 صباحاً / يمن ميديا-محمد عبد الله يونس
عدد القراءات (1797)

أثارت المشاركة الباكستانية المعلنة في العملية العسكرية "عاصفة الحزم" جدلاً متصاعداً، إذ أن توقعات مختلف المتابعين لتلك العملية تركزت علي استناد المملكة لتحالف عربي قوامه مشاركة خمس دول من مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والمغرب في مواجهة التمدد الإيراني في الشرق الأوسط، ومن ثم جاء الإعلان عن المشاركة الباكستانية بمثابة تأكيد علي التحولات في السياسة الخارجية السعودية لتوسيع نطاق شبكة تحالفاتها وتأسيس تحالف دولي سني لتطويق إيران في ظل امتلاك باكستان لقدرات نووية عسكرية ووجود خبرة تاريخية ممتدة للتعاون العسكري بين المملكة وباكستان.


ملامح الموقف :

لم يتضح مستوي المشاركة الباكستانية في عاصفة الحزم علي مناطق تمركز الحوثيين في اليمن، حيث تضاربت الأنباء ما بين تأكيد بعض المصادر السعودية علي وجود مشاركة باكستانية فعلية في العمليات العسكرية، وما بين تأكيدات أخري علي إبداء باكستان رغبتها بالمشاركة في العمليات العسكرية، في مقابل بعض المصادر التي أشارت إلي أن المشاركة الباكستانية اقتصرت علي إرسال قوات بحرية محدودة لحماية حركة الملاحة في مضيق باب المندب.

غير أن تتبع المواقف المعلنة للمؤسسات السياسية في باكستان يكشف عن مدي الحذر الغالب علي المواقف الباكستانية من المشاركة في العمليات العسكرية في اليمن، حيث أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الباكستانية في مؤتمر صحفي عقد في مطلع 26 مارس الجاري عن أن باكستان تلقت "طلباً عاجلاً من المملكة العربية السعودية بالمشاركة في العمليات ضد الحوثيين المتمردين في اليمن"، وقالت إن المسألة "قيد الدراسة" دون الإفصاح عن مزيد من التفاصيل.

في المقابل، جاءت تصريحات رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف أكثر حسماً وإن كان يغلب عليها الانضباط في تحديد نطاق المشاركة في العمليات العسكرية التي تقودها المملكة العربية السعودية، حيث أشار بيان صادر عن رئاسة الوزراء الباكستانية إلي أن أي تهديد لوحدة وسيادة المملكة العربية السعودية سيثير "رداً قوياً من باكستان"، وتضمن البيان إشادة بالعلاقات بين باكستان والمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي مؤكداً علي الأهمية التي توليها باكستان لأمن دول المجلس.

وجاء هذا البيان عقب اتصال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل برئيس الوزراء الباكستاني لبحث العملية العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، تبعه عقد اجتماع وزاري تمخض عن قرار بإرسال وفد عسكري باكستاني رفيع المستوي للمملكة يضم وزير الدفاع خواجه آصف ومستشار رئيس الوزراء للشؤون الأمنية والخارجية سرتاج عزيز وعدد من الضباط لزيارة المملكة للتشاور مع القيادة السعودية وتقييم الأوضاع علي حد تعبير بيان مجلس الوزراء، وهو ما يكشف مدي التحفظ والحذر في الموقف الرسمي الباكستاني تجاه العملية العسكرية السعودية في اليمن.

أبعاد الدور:

لم يكن الاستدعاء السعودي للدور الباكستاني سوي امتداد للعلاقات الوثيقة التي تربط بين المملكة وباكستان علي المستوي العسكري، إذ لم تنقطع المناورات والتدريبات المشتركة وتبادل الخبراء بين المملكة وباكستان، فضلاً عن تردد خبراء عسكريين باكستانيين علي المملكة في إطار برامج للتعاون العسكري، وهو ما يرتبط بدعم المملكة لباكستان خلال فترة فرض العقوبات الدولية عليها عقب إعلانها امتلاك السلاح النووي في عام 1998، وأمدت المملكة باكستان بما يقارب 50 ألف برميل من النفط يومياً للمساعدة علي التغلب علي العقوبات الاقتصادية الدولية، فضلاً عن استضافة المملكة لنواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني الحالي عقب الانقلاب العسكري عليه قبيل نهاية تسعينات القرن الماضي والذي قاده الرئيس الباكستاني الأسبق برويز مشرف ما يعكس عمق العلاقات الشخصية بين النظام الباكستاني الحالي والمملكة العربية السعودية.

وفي عام 2008 برزت مؤشرات علي وجود برامج للتعاون العسكري بين باكستان والسعودية تمتد لسعي المملكة لاكتساب قدرات غير تقليدية علي مستوي استحداث برنامج لتطوير الصواريخ الباليستية والإفادة من الخبرات الباكستانية في هذا الصدد لمواجهة طهران، بينما أكدت مؤسسات بحثية أمريكية على وجود تعاون عسكري بين السعودية وباكستان في المجال النووي في إطار سعي المملكة لاكتساب قدرات نووية لموازنة التقدم في البرنامج النووي الإيراني.

ومن ثم، يمكن القول أن المملكة تعتبر باكستان حليف استراتيجي يمكن أن يؤدي دورا مركزيا في تعزيز الأمن الإقليمي في منطقة الخليج في مواجهة طهران وبأقل تكلفة سياسية بالمقارنة بالخيارات العربية والإقليمية البديلة خاصة عقب تقليص الولايات المتحدة لدورها في منطقة الشرق الأوسط وانخراطها في مفاوضات مباشرة مع إيران حول البرنامج النووي، ووجود توافق بين واشنطن وطهران حول الحرب علي داعش والعمليات العسكرية ضد التنظيم في العراق، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلي أن الدور المفترض لباكستان في العمليات العسكرية في اليمن ينطوي علي عدة مهام رئيسية:

1- الدعم العسكري المباشر: إذ ترددت خلال الفترة السابقة علي التدخل العسكري السعودي في مواجهة الحوثيين أنباء غير مؤكدة عن وجود مفاوضات مع باكستان لتأسيس منظومة أمنية مشتركة لحماية الحدود السعودية مع العراق، وهي الأنباء التي نفتها السلطات الأمنية السعودية في ذلك الحين، إلا أن هذا الاحتمال غير مستبعد حيث أن القوة البشرية للجيش الباكستاني وخبراته في إطار الصراع مع الهند تؤهله للقيام بدور في دعم المملكة في حال نشوب مواجهة عسكرية ممتدة، فوفقاً لبيانات المعهد الدولي للدراسات الدولية في لندن فإن عدد القوات الباكستانية يقارب حوالي 617 ألف جندي بالتوازي مع قوات احتياطية يبلغ عددها حوالي 515 ألف جندي، وتمتلك باكستان قدرات جوية متميزة، حيث يصل عدد الطائرات المقاتلة في سلاح الجو الباكستاني حوالي 914، تتنوع ما بين مقاتلات هجومية وطائرات مروحية مقاتلة وطائرات للاعتراض والاستطلاع، وهو ما ينطبق علي القدرات البحرية لباكستان، فضلاً عن استفادة باكستان من التعاون العسكري الاستراتيجي مع الولايات المتحدة في تطوير قدراتها العسكرية خاصة في "الحروب غير المتماثلة" في إطار الحرب علي الإرهاب علي الحدود الباكستانية الأفغانية.

وقبيل إعلان المملكة العربية السعودية التدخل العسكري أجرت القوات الباكستانية والسعودية تدريبا عسكريا مشتركا في 22 مارس الجاري، حيث شاركت القوات الخاصة بالجيش الباكستاني مع "قوة الواجب" من القوات البرية السعودية في تدريبات "الصمصام" في جولتها الخامسة والتي تركز علي إدارة المعارك في البيئات الجبلية الصعبة والتكامل بين القوات البرية والجوية في العمليات العسكرية، وقبيل هذه التدريبات العسكرية شهدت المملكة زيارة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف في مطلع مارس الفائت وهي الزيارة التي سبقتها زيارات متتابعة لمسئولين عسكريين باكستانيين كان أهمها زيارة الجنرال رشيد محمود سلمان رئيس الأركان الباكستاني ولقاءه مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في فبراير 2015.

2- تكتيكات شد الأطراف: ترتبط العلاقات الإستراتيجية بين باكستان والمملكة العربية السعودية بمحاولة المملكة تطويق إيران من جهة الشرق، فعلي الرغم من علاقات الشراكة بين إيران وباكستان إلا أن الصراعات الحدودية بينهما لا تزال غير محسومة، حيث تتصاعد الاشتباكات الحدودية بين الطرفين في منطقتي سستان ولوخستان الحدويتين في جنوب غرب إيران، والتي كان آخرها قتل ثلاثة من الحرس الثوري الإيراني علي الحدود في 29 ديسمبر 2014، وسبقها اشتباكات حدودية متبادلة بين الدولتين في أكتوبر الفائت عقب إعلان جماعة جيش العدل السنية في باكستان مسئوليتها عن اختطاف قوات من حرس الحدود الباكستاني، واحتجاج باكستان من اختراق قوات إيرانية للحدود بدعوي ملاحقة مسلحين.

ومن ثم، يمكن للمملكة أن تقوم بتحييد التدخل العسكري الإيراني المحتمل في بؤرة الصراع في اليمن من خلال توظيف التحالف مع باكستان في تصعيد التهديد للحدود الغربية لإيران خاصة في ظل التنافر السكاني بين التكوينات السنية الغالبة علي المناطق الحدودية بين باكستان وإيران، والممتدة عبر الحدود الإيرانية وبين الانتماء الشيعي للنظام الإيراني.

3- تعزيز الردع النووي: لم يكن الدعم السعودي للبرنامج النووي الباكستاني علي مدار عقود سوي استثمار طويل الأمد في أداة للردع في مواجهة الخصوم الإقليميين للمملكة وخاصة طهران، حيث تسود افتراضات علي نطاق واسع رددتها مؤسسات بحثية أمريكية وعلي رأسها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى حول وجود ترتيبات ثابتة تتضمن قيام باكستان بتوفير القدرات النووية للمملكة العربية السعودية في حالة مواجهتها تهديد عسكري غير تقليدي، وهو ما يرتبط بامتلاك المملكة لصواريخ CSS-2 الباليستية القادرة علي حمل رؤوس نووية والتي يصل مداها إلي حوالي 2000 كم، وشراء المملكة لصواريخ أكثر دقة طورتها باكستان من طراز CSS-5 و CSS- ويصل مداها إلي ما يتجاوز 5000 كم، ما يعكس سعي المملكة لامتلاك أدوات للردع النووي متوسط وبعيد المدى لردع التطلعات الإقليمية لطهران.

حدود المشاركة:

هناك عدة قيود تحجم قدرة باكستان علي الانخراط العسكري المباشر في الصراع الداخلي اليمني، وتتمثل أهم القيود علي الدور الباكستاني في الآتي:

1- العلاقات الإستراتيجية مع إيران: علي الرغم من التوترات الحدودية المتقطعة بين باكستان وإيران، إلا أن العلاقات بين الدولتين يحكمها تعاون استراتيجي يرتبط بإسهام باكستاني في تطوير البرنامج النووي الإيراني ووجود توافقات علي مد أنابيب "مشروع السلام" لنقل الغاز من حقل بارس في جنوب غرب باكستان إلي الساحل الجنوبي الشرقي لباكستان بطول 2000 كم بتكلفة إجمالية قدرها 7.5 مليار دولار، ووجود مصالح اقتصادية وتجارية إستراتيجية بين الدولتين المتجاورتين لا يمكن لباكستان المخاطرة بتعرضها لتهديدات جذرية.

2- العلاقات الباكستانية الأمريكية: يحكم الموقف الباكستاني من التدخل العسكري في اليمن، العلاقات الإستراتيجية الوثيقة بين الولايات المتحدة وباكستان والتي قد تدفع الأخيرة لترقب الموقف الأمريكي من الانخراط العسكري في الحرب على الحوثيين قبل الإعلان عن مستوي المشاركة في العمليات العسكرية، خاصة في ظل الشراكة العسكرية الوثيقة بين الولايات المتحدة والمؤسسة العسكرية الباكستانية منذ بداية الحرب الأمريكية علي الإرهاب والتدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان والدعم الأمريكي العسكري والاستخباراتي للعمليات العسكرية الباكستانية ضد تنظيم طالبان في باكستان في مناطق بلوشستان والبشتون علي الحدود الباكستانية الأفغانية.

3- الانقسامات داخل الحكومة الباكستانية: حيث أن التدخل العسكري الباكستاني في بؤرة الصراع في اليمن لا يحظي بإجماع مختلف الأطراف السياسية في الحكومة الباكستانية، خاصة وأن لدي وزارة الخارجية الباكستانية مواقف متحفظة من دور المملكة في دعم المؤسسات الخيرية الإسلامية والمدارس الإسلامية في باكستان عبرت عنها بتصريحات غير مباشرة في فبراير 2015، حينما أشار بيان صادر عن الخارجية الباكستانية إلي أن "التمويل الذي يقدمه الأفراد عبر بعض القنوات غير الرسمية في بعض الدول بات يمثل أهم روافد تمويل الجماعات الإرهابية" ومن ثم أعلنت الوزارة أنه سيخضع لرقابة أشد.

ولا ينفصل ذلك عن انتشار توجهات معارضة لدور المؤسسات الدينية والخيرية التي تدعمها بعض الدول العربية داخل المؤسسة العسكرية عقب الهجوم الذي شنته طالبان باكستان في منتصف ديسمبر الجاري علي مدرسة تابعة للمؤسسة العسكرية الباكستانية في بيشاور شمال غربي البلاد والذي أسفر عن سقوط 132 من الطلاب وإصابة المئات.

4- الحرب الباكستانية علي الإرهاب: لا يمكن لباكستان القيام بدور عسكري واسع النطاق خارج حدودها في ظل انشغال المؤسسة العسكرية الباكستانية في حرب واسعة النطاق علي التنظيمات الإرهابية وخاصةً طالبان باكستان والتي كان آخر عملياتها في منتصف مارس الجاري استهداف كنيستين في مدينة لاهور الباكستانية مما اسفر عن مقتل 15 شخص، فضلاً عن قيامها بعمليات إرهابية نوعية استهدفت مناطق تمركز القوات المسلحة والشرطة في إقليم وزيراستان في إطار انتقالها من الأطراف إلي قلب الدولة الباكستانية، وهو ما يرتبط بحالة عدم الاستقرار السياسي والاحتجاجات السياسية المناوئة للحكومة الباكستانية، والتي وصلت إلي حد تطويق مقار الحكومة الباكستانية والمطالبة باستقالة رئيس الحكومة في سبتمبر 2014 احتجاجاً علي تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية.

إجمالاً يمكن القول أنه علي الرغم من امتلاك باكستان قدرات نوعية تؤهلها للمشاركة بقوة في العمليات العسكرية في مواجهة الحوثيين وتحجيم ردود الفعل الإيرانية واحتواء احتمالات قيام إيران بالتصعيد والانخراط في مواجهة عسكرية مع المملكة العربية السعودية إلا أن قيود متعددة تعترض التوسع في الانخراط العسكري الباكستاني في العمليات العسكرية التي تقودها المملكة مما يجعل الدور الباكستاني محدوداً بتقديم استشارات عسكرية ودعم عسكري محدود النطاق، وهو ما يعزز خيارات اللجوء للقوي العربية المختلفة في إطار ترتيبات إقليمية للأمن الجماعي وتفعيل مقترح تأسيس قوة عسكرية عربية مشتركة في حال تصاعد المواجهات العسكرية وحدوث تصعيد من جانب الحوثيين ومحاولة تهديد الحدود المشتركة بين اليمن والمملكة العربية السعودية.


تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع المركز اليمني للإعلام نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
مواضيع مرتبطة
يديعوت: السعودية تحركت بقوة وحسم في حين أمريكا تلهث وراء إيران
فايننشال تايمز: تدخل السعودية باليمن يسخّن حربا باردة مع إيران