ميشال ليريس... الكتابة والمجازفة!
السبت 06 مارس - آذار 2021 الساعة 05 مساءً / المركز اليمني للإعلام
عدد القراءات (3781)

نخصص حلقة هذا الأسبوع من برنامج "قرأنا لكم" للكاتب الفرنسي الراحل ميشال ليريس الذي خطف الاهتمام مؤخرا في الساحة الأدبية الفرنسية بصدور طبعات جديدة متزامنة لبعض أعماله. ويتعلق الأمر بطبعة نقدية ومنقحة من كتابه "اليوميات" وثلاثة أجزاء من سيرته الذاتية "قواعد اللعبة" وكتاب يضم مراسلات تُنشر لأول مرة مع صديقه الكاتب مارسيل جونادو.

صدور هذه الأعمال يسلط المزيد من الأضواء على سيرة ومسار هذا الكاتب المتميز الذي لم ينل ما يستحق من الشهرة والتقدير هو الذي خالط وارتبط بكبار الأسماء التي أسست لثقافة وأدب القرن العشرين. فعندما كان عمره عشرون عاما ارتبط بصداقة مع الفنانين ماكس جاكوب واندريه ماسون الذي انجز له الرسومات الداخلية لديوانه الشعري الأول الصادر عام 1925 بعنوان "محاكاة". ثم رافق رواد الحركة السوريالية وهي في بداياتها من خلال صداقته بمؤسسها اندريه بروتون وكان الشاعر السوريالي روبير ديسنوس واحدا من أصدقاءه المقربين.

ورغم انشغاله لاحقا بالكتابة في ميدان الاثنوغرافيا وتكريسه جزء كبيرا من وقته وحياته لكتابة السيرة الذاتية واليوميات فقد بقي مطبوعا الى الأبد بعشقه للشعر وميله الى الألعاب الشعرية التي تمرس عليها في مرحلته السوريالية.

غير ان ليرسي ما لبث أن ضاق ذرعا بالسورياليين ومعاركهم الصاخبة واتخذ مسارا آخر عندما تعرف على الكاتب جورج باطاي الذي شجعه على الغوص في الانتروبولوجيا والاثنولوجيا والثقافات البدائية. وكانت نقطة التحول في مسيرته الطويلة هوي مشاركته لمدة عامين بين عامي 1931 و 1933 في رحلة افريقية اثنولوجية بين داكار وجيبوتي ضمن مجموعة عمل استكشافية تمخض عنها كتابه الشهير "افريقيا الشبح " الذي أسس لاثنوغرافيا جديدة مبنية على تداخل الذاتي بالموضوعي. وكتب عن هذه التجربة التي شعر فيها بتضايق كبير من المنهجيات السائدة في مذكراته:"لتذهب الاثنوغرافيا الى الجحيم. من الصعب علي احتمال هذه المنهجية في البحث. اريد ان اكون جزءا من حياتهم وأشعر بطريقتهم في الاحساس بالوجود وأن أعيش حياتهم".

وبعد "افريقيا الشبح"انكب على مشروع آخر لا يقل أهمية ويذهب في نفس المنوال بعنوان "عصر الإنسان" يعكس انبهار ليريس بجذور الثقافة الافريقية القبلية ونشره عام 1939 للمرة الأولى ثم نقحه في طبعة ثانية عام 1946 مضيفا اليه مقالة تمهيدية نارية بعنوان "الأدب بوصفه مصارعة ثيران" يعتبر فيها ان الأدب بدون مخاطرة قاتلة ومجازفة ومجابهة مع الموت ليس أدبا حقيقيا وانما مجرد انشاء وبلاغة مملتين.

كان ليريس رحالة بالمعنى العميق للكلمة وعاشقا للسفر المرتبط بالكتابة فقد زار اليونان واسبانيا وايطاليا وامريكا والدول الاسكندنافية والصين واليابان وافريقيا السوداء وكل بلدان الشمال الافريقي والصين وكوبا ومصر التي زارها عام 1927 وجعلته يحس بقرف هائل من الثقافة الكولونيالية الاوربية.

عام 1969 كتب ليريس في مذكراته مسترجعا تجاربه السابقة: "اذا كان هناك من خصوصية بالنسبة لتجربتي فهي انني تبنيت منهج اللعب والتلاعب بالواقع. لقد مارست اللعب الأدبي الأكثر بعدا عن الواقع وأقصد باللعب تلك الممارسة المحفوفة بالمخاطر المباشرة، انه لعب يشبه لعب القمار الذي يتضمن خطر الافلاس وفقدان الحياة"

عاش ليريس حياة غريبة الاطوار طبعها الخوف من الموت وهو في عنفوان الشباب وهو الخوف الذي سكن كتاباته ويومياته ومذكراته الضخمة ذلك انه كان يكتب يوميا وظل يكتب حتى شارف على الموت بعد عمر مديد حتى انه بقي الكاتب الوحيد من جيله على قيد الحياة الى ان فارقها عام 1990 عن سن تناهز التاسعة والثمانين عاما.

وكل كتاب وأنتم بخير...


تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع المركز اليمني للإعلام نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
مواضيع مرتبطة
أفضل الروايات العالمية في التاريخ
الألعاب الشعبية في اليمن وأثرها في بناء الشخصية الاجتماعية
صورة المثّقف في رواية “لما تحطّمت الجرّة” لسعد محمد رحيم
مارك شاغال البولشيفي الفاشل الّذي برع في استخدام الألوان
الخطاب التّكفيري في السرديّات الأدبيّة المُعاصرة