إبراهيم أبو عواد: الفلسفة الروحية هي الحياة الحقيقية
الموضوع: ثقافة
 

 

1

   تستمدُّ الفلسفةُ شرعيتها من التوازن بين رمزية اللغة وذكريات الإنسان . واللغةُ هي الحاضنةُ لتاريخ الروح وجُغرافيا الجسد ، والإنسانُ هو صانع الإنجازات الحضارية. ولا يُمكن للطائر أن يَطير إلا بوجود جناحين ، وكذلك الفلسفة ، لا يُمكن أن تُحلِّق إلا بوجود اللغة والإنسان .

 2

     تفجيرُ الطاقة الرمزية في اللغة هو الوسيلة الأكثر نجاعةً لإعادة بناء الفرد وَفْقَ منظور الحرية والتَّحَرُّر . وهذه العمليةُ تستلزم انبعاث الشظايا في الألفاظ والمعاني ، واندلاع حريق في السياق اللغوي . ودورُ الفلسفة في هذا السياق يتجلى في ترتيب الشظايا لتصبح قوةً متجانسة وفعَّالة ، والسيطرة على الحريق ليصبح وُقودًا يُحرِّك عجلة التنمية الفكرية الحقيقية لا الشعاراتية .

 3

     قوةُ الأطفال في الحياة تكمن في عدم فهمهم لمعنى الموت. إنهم يَضحكون ويَلعبون ويَمرحون ، لأن الحياة بالنسبة إليهم هي مركز مشاعرهم ومنبع أحاسيسهم ، معَ غياب تام للموت عن تفكيرهم. وعندما يَكْبرون ، يُدرِكون معنى الموت ، ويَعرِفون أنه كان قريبًا مِنهم في كُل مراحل حياتهم ، وأن الموت لا يُصيب الآخرين فقط . إن الجميع خاضعون لقانون الموت، وهو أقرب مِمَّا يتصوَّر الإنسان ، وهذا يؤدي بالضرورة إلى تغيير طريقة التفكير ، وتغيير زاوية الرؤية للأشياء .

 4

     البحثُ عن معنى الحياة في حُطام الروح ، قد يبدو أمرًا مُتْعِبًا وشَاقًّا ، ولكنَّ العَيش اللذيذ كامن في التعب والمشقة ، والمتعةُ تتجلى في الصعوبة والتَّحدي . ونحنُ لا نعرف قيمة الأشياء التي تأتي بِيُسْر وسُهولة ، وإنما نعرف قيمة الأشياء التي جاءت بعد مُعاناة وألم . وكُل شيء يأتي بسهولة يَذهب بسهولة ، وما تأتي به الرياحُ تأخذه الزوابع ، وكلام الليل يَمحوه النهار . إن العذاب هو طريق القلوب العظيمة ، وتحويل هذا العذاب إلى مُتعة ولذة ، والانتصار على العذاب والألم ، يُمثِّلان الامتحان الحقيقي لفلسفة وجود الإنسان في هذا العالَم . والإنسانُ قد ينسى الشخصَ الذي أضحكه ، ولكنه لا يَنسى الشخصَ الذي أبكاه ، لأن الألم مُتجذِّر في طبيعة النفس البشرية، وبصمةُ البُكاء أشد تأثيرًا من بصمة الضحك .

 5

     الطريقُ إلى السرابِ سَرابٌ. والأطفالُ الذين بَنَوا القُصورَ الرملية هدموها . والأراملُ الشابات لَم يَعرفنَ أهميةَ رمال الشُّطآن إلا بعد دفن البحَّارة الغرقى فيها . ضاعَ الرُّبَّان في ضباب المنارة الذي يُحاصر ليلَ الأحزان ، ومصيرُ السفينة هو الارتطام بصخور القلب المذبوح . ولا تزالُ السلاحف تُخبِّئ بُيوضها في رمال البكاء الشاسعة .

 6

     يَخترع الإنسانُ الوهمَ ويَعشقه ، لأنه يرى في الوهم خلاصًا رُوحيًّا ، وهُدنةً بين أحلامه وإخفاقاته ، وهُروبًا مِن الماضي والذكريات . وكأن الحياة صارت كابوسًا ، وبدلاً مِن أن يُواجه الإنسانُ مصيره بشجاعة ، ويسأل عن موعد إفاقته من هذا الكابوس ، فإنه يأخذ حَبَّة مُنَوِّم ، كَي يَغرِق في خيالاته ، ويتجنَّب مُواجهة الاستحقاقات المصيرية . وهذه لُعبة قاتلة ، ولا فائدة مِنها ، لأن أفضل طريقة للتَّخلص مِن الخوف هي اقتحامه . وضريبةُ مُواجهة العدو والتَّصَدِّي له أقل بكثير مِن ضريبة الهروب مِنه ، لأن الهروب مِن العدو سَيُعطيه فُرصةً كي يتمدَّد ويزداد وحشيةً وشراسةً ، أمَّا مُواجهته فتعني إيقافه عند حَدِّه ، وتعريفه بحجمه الحقيقي .

 

إبراهيم أبو عواد - كاتب من الأردن

المركز اليمني للإعلام - متابعات
السبت 16 فبراير-شباط 2019
أتى هذا الخبر من المركز اليمني للإعلام:
http://www.yemen-media.info
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
http://www.yemen-media.info/news_details.php?sid=39939