ثلاء الأثرية.. مدينة على الصخر تئن تحت وطأة الإهمال
الإثنين 19 يونيو-حزيران 2023 الساعة 02 صباحاً / المركز اليمني للاعلام - الوحدوي نت - زكريا الحسامي
عدد القراءات (2433)

بين وديان زراعية منبسطة خلابة، تتربع مدينة ثلاء الأثرية على تبة جبلية تعطيها إطلالة بديعة على بساط اخضر لتبدو في حلة بديعة.

 تتمتع المدينة بالكثير من المقومات التي تجعلها واحدة من المدن السياحية الهامة في بلادنا، لكنها تعرضت للإهمال والتنكر ولم تنل من الاهتمام كمدينة أثرية وسياحية، فهي تبدو كحال بلادنا تاريخ عريق زاخر وحاضر أليم.

مع بداية فصل الربيع الماطر يشد الكثير من سكان العاصمة صنعاء الرحال إلى الأرياف والمدن المحيطة بالعاصمة لاقتناص فرجة ممتعه وقضاء أوقات استجمام مع عائلاتهم بعيدا عن ضجيج المدينة وصخبها.

فعلى طول الطريق تفترش تلك العوائل الحقول لتستمتع بخضرتها وتستنشق هوائها العليل وتمتع ناضريها بتلك المناظر في الوديان والقيعان وسدود وشلالات الماء والمدرجات الزراعية التي تكسو الجبال والهضاب خضرة والتي تبدو وكأنها لوحة فنية في غاية الجمال والبهاء.

الشعور بالسكينة

قرابة 45 كم هي المسافة الواصلة من العاصمة صنعاء إلى مدينة ثلاء التاريخية وحين الوصول اليها تأخذك طريق مرصوصة بالأحجار ليتم الولوج اليها عبر بابها الكبيرة فتبدو للوهلة الاولى وكأنها لوحة منحوتة على الصخر صممت بطريقة فنية وهندسية ومعمارية بديعة، فيما يشعرك المكان بسكينة وطمأنينة قلما تجد له مثيل في أي مدينة أخر.

 تعرج بك المدينة بشكلها المخروطي، إلى حقب قديمة غائرة في التاريخ ومليئة بالأحداث التي تحكي لنا عنها تلك النقوش الموجودة على مبانيها وفوق صخورها.

 ‏ما يميز مدينة ثلا طيبة وبساطة أهلها الذين يستقبلوك برحابة غامرة وسعة صدر كبيرة، وحين تصادف شخص امامك فانه يحدثك بشغف ونشوة مصبوغة بفخر واعتزاز عن تاريخ مدينتهم العريق ولا يترددون عن سرد الروايات والقصص عن معالمها وآثارها وعن الحروب والصراعات التي شهدتها المدينة وكيف تم تشييدها على الصخور وكيف وصل اليها الحكام في مراحل مختلفة وتمكنوا من بسطوا نفوذهم عليها ومن ثم فرض سلطاتهم على مناطق شاسعة.

تاريخ عريق

وما بين جمال مبانيها وطيبة أهلها ودفء صخورها هناك حضارة عريقة تسافر بك عبر آلة الزمن إلى الخلف، إلى ما قبل 2000 عام، فتدهشك تلك الدور المتراصة والمزخرفة والحصون والقلاع والكهوف على سفح الجبل وهي تشكل في هيئتها فنا وإبداعا فريدا تدلل على عظمة الانسان اليمني في قدرته على تطويع البيئة القاسية وصهرها لجعلها طيعة للعيش.

تذكر المصادر التاريخية أن بنائها تم في فترة ما قبل الميلاد وبالتحديد عهد الدولة الحميرية، فيما يختلف المؤرخون في أصل تسميتها، فالرواية الاولى والمتداولة بكثرة بين أهالي المدينة تشير إلى انها سميت بهذا الاسم نسبة إلى (ثلا بن لباخه بن أقيان بن حمير الأصغر) فيما الرواية الاخرى تشير الى أن اسمها اشتق من ثلئ أي "كثير المال" ثم خففت إلى ثلاء على الألسن وصارت معروفة بهذه الصيغة.

وقد ذكرها المؤرخ الطيّب بن عبد الله بامخرمة (870 - 947 هـ) في كتابه "النسبة إلى المواضع والبلدان" أن ثلاء مدينة كبيرة على قلعة حصينة بالقرب من صنعاء، وهي من أطيب البلاد ماء وهواء وتربة وأرضها سهلية وجبلية وأكثر زرعها الحنطة والشعير.

 كما وصفها أبو محمد الهمداني في القرن الرابع الهجري في كتابه " صفة جزيرة العرب " بقوله: " وثلاء حصن وقرية للمرانيين من همدان، وتقع البلدة في السفح الشرقي للحصن ".

يحيط بالمدينة سور كبير طوله حوالي  1162 متر تقريبا، ويتخلله ستة وعشرون برجا بعضها دائري والبعض الاخر نصف دائري شيد وصمم بشكل هندسي ومعماري بديع وفريد واستراتيجي فمنه تخرج منافذ بشكل مخروطي صممت خصيصا لوضع فواهة البنادق وذلك على غرار ما كان يفعل في العصور القديمة حين كانوا يحيطون مدنهم بالأسوار العاتية لحمايتها من الغزاة والطامعين.

ولها تسعة مداخل رئيسية منها خمسة استحدثت في القرن العشرين ولكل باب منها اسم وهي (باب المشرق وباب الفرضة وباب السلام وباب الهادي وباب الحامد وباب المياه وباب الجديد وباب إبراهيم وباب الحسن).

حصن الغراب   

من أبرز معالمها حصن الغراب الذي كان يعد حصنا استراتيجي وهو عبارة عن قلعة أثرية قديمة ‏تقع على القمة ويتم الصعود اليه عبر سلسلة طويلة من الدرج المرصوصة بالأحجار وبعضها نحتت نحتا على الجبل، ويوجد به العديد من الكهوف ومدافن للحبوب وبرك المياه ويحيط به ابراج منيعة للمراقبة.

ويبد الحصن للناظر كشيخ رابض على شرفة وهو يحكي للناس امجاده وأيامه الخوالي.

وترجع تسميته بهذا الاسم انه كان يتعرض للهجر لفترات طويلة بسبب الدمار والخراب ليسكنه الغراب والجوارح الطيور الأخرى حسب ما ذكرته المراجع التاريخية.

منزل الرئيس الحمدي

لا يمكن للزائر للمدينة أن يستثني من الزيارة منزل الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي ذلك المنزل البسيط المتواضع والواقع الى الجهة الغربية للمدينة للترحم على روح الرئيس الحمدي كنوع من العرفان له والذي كان بمثابة حلم لهم لما قدمه لليمن من إصلاحات ونهضة في مختلف المجالات خلال فترة وجيزة لم تتجاوز الثلاث سنوات.

انعدام الخدمات

على الرغم من كونها ارثا حضاريا الا انها تفتقد لأبسط الخدمات الضرورية من مطاعم وفنادق وغيرها. وفي حال ما توفرت تلك الخدمات فان السياحة الداخلية ستزدهر خاصة مع توقف حركة السياحة الخارجية الى بلادنا بشكل تام بسبب الحرب الدائرة منذ أكثر ثمانية أعوام.

ناهيك عن ذلك الاهمال والتدمير الذي طالها كما طال غيره من المدن والمواقع الاثرية الأخرى.

وتوجد في اليمن خمسة مواقع ضمن قائمة مواقع التراث العالمي، وهي "مدينة شبام القديمة وسورها ومدينة صنعاء القديمة وحاضرة زبيد التاريخية وأرخبيل سقطرى ومعالم مملكة سبأ القديمة بمحافظة مأرب".

 


تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع المركز اليمني للإعلام نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
مواضيع مرتبطة
يمنيات يواجهن العنف الأسري
استعادة أدوار الأحزاب السياسية يمهد لصناعة السلام
السلام.. القيمة الغائبة في الإعلام
اليمنيات: طقوس عيدية مميزة
أصالة النكهة ولذة المذاق.. سر يتفرد به شارع المطاعم في العاصمة صنعاء.